أبو ذر الغفاري رضي الله عنه -من هو محامي الفقراء والذي قيل عنها “يمشي وحده ويبعث وحده”
أبو ذر الغفاري رضي الله عنه

اختلفت الروايات حول أسم أبو ذر الغفاري، فقيل بأن اسمه الحقيقي هو برير بن جنادة، وقيل جندب بن جنادة، وهناك من قال بأن أسمه هو جندب بن عبد الله، وهناك رواية رابعة تقول بأن أسمه هو برير بن عشرقة، كما قيل بأن اسمه هو يزيد بن جنادة، وهناك رواية أخرى تقول بأن اسمه هو برير بن جندب، ولكن الراجح بين كل تلك الأسماء هو جندب بن جنادة الغفاري، ووالدته هي رملة بنت الوقيعة الغفارية، وقد شرح الله صدرها للإسلام ولقت ربها وهي على دين الإسلام.

أبو ذر الغفاري

وأبو ذر من ضمن الشخصيات الإسلامية، حيث ينتمي إلى قبيلة غفار، وتلك القبيلة تقع على طريق النوافل الذي يوجد بين الشام واليمن، وتلك القبيلة اشتهرت بأن رجالها مهنتهم الوحيدة هي السطو على القوافل التي يجدونها، ونهب كل ما بها، وكان أبو ذر الغفاري يحصل على ماله بتلك الطريقة التي يتبعها أهل قبيلته، ولكن ما كان يميزه عن رجال قبيلته، هو قلبه الجريء الذي لا يعرف الخوف.

فهو لم يكن ينتظر قدوم الليل حتى يقوم بممارسة أعمال السرقة، ولكن كان يفعل ذلك في وضح النهار، ورغم ممارسته لتلك المهنة المخزية، إلا أنه كان يشتهر بعدم عبادته لصنم قط، وكان ينكر عبادة الأوثان بالكلية، وقد كان على هذا المبدأ منذ الصغر، وهو اتباعه لدين التوحيد، على الرغم من جهله بخالق هذا الكون ومالكه، ولكنه كان على يقين تام بأن من أبدع هذا الكون، هو إله واحد يتميز بالعظمة التي لا مثيل لها بين تلك الكائنات التي يتخللها الضعف والاحتياج الدائم.

سماعه بظهور نبي في مكة

لم يتراجع أبو ذر عن مبدأه أبداً في عدم السجود للأوثان، وظل منشغلاً في التفكير والبحث المستمر عن الإله الواحد الذي خلق هذا الكون، إلى أن أتى اليوم الذي عرف فيه أبو ذر بوجود نبي على أرض مكة يدعوا إلى عبادة إله واحد وهو الله عز وجل:

  • فما كان من أبو ذر إلا أن أرسل أخ له يسمى أنيس إلى مكة، ليتحقق مما سمعه، ويجيء له بالقصة كاملة
  • وبمجرد وصول أنيس إلى مكة التقى بالنبي صلوات الله وسلامه عليه، وقام بسؤاله عن الدين الذي يدعو إليه.
  • فتحدث معه النبي عن الإسلام، وإن الله عز وجل هو وحده الذي يستحق العبادة دون أن يُشرك معه في العبادة أحد
  • ثم بعد ذلك رجع أنيس إلى قبيلته من جديد، فوجد أخاه أبو ذر ينتظره وهو في غاية الشوق واللهفة لمعرفة قصة هذا النبي وما جاء به من دعوه.
  • فأخبره أخاه أنيس قائلاً، يا أخي أن هذا الرجل يقوم بدعوة الناس إلى كل ما فيه خير لهم، وأنه يأمرهم بجميع الأخلاق الكريمة
  • كما أخبره بأن كلامه ليس بشعر، ولا بكلام بشر
  • فعاد أبو ذر ليسأله عن رأي الناس فيه، وما الذي يقولونه عن الدعوة التي جاء بها، فقال له أخاه: يقول الناس عنه

بأنه شاعر، وكاهن، وساحر، وأنه ليس برسول من عند الله

سفره إلى مكة للقاء الرسول

احتار أبو ذر بسبب ما سمعه من أخيه أنيس، فكيف يكون الرسول بكل تلك الصفات الرائعة ثم يكون هذا رأي قومه فيه، وكيف لهم ألا يصدقوا بدعوته، ودار العديد من الأسئلة بخلد أبو ذر، ثم حدث أخاه قائلاً:

والله ما شفيت لي غليلاً، ولا قضيت لي حاجة، فهل أنت كاف عيالي حتى انطلق فأنظر في أمره؟ فقال أخاه: نعم، ثم حذره من أهل مكة، وأخبره بمحاربتهم للرسول الجديد، ولدعوته وأنهم سيقومون بقتله إذا عرفوا بأنه قد أتى للقاء الرسول.

وسافر أبو ذر لمكة وهو على حذر شديد من أهل مكة، ويخاف أن يكتشفوا أمره ويقوموا بقتله، وعندما وصل إلى مكة ذهب إلى الكعبة المشرفة:

  • ثم نام هناك
  • وبينما هو نائم عند الكعبة، شاهده علي بن أبي طالب رضي الله عنه
  • فدعاه لينام في بيته، فذهب معه أبو ذر إلى بيته
  • ولكنه لاحظ عدم سؤال علي له عن سبب مجيئه لمكة
  • وفي ثاني يوم من مجيء أبو ذر لمكة عاد أبو ذر لينام عند الكعبة المشرفة كما حدث بالأمس
  • وعاد علي ليراه مرة أخرى ويدعوه للنوم ببيته
  • وفي الليلة الثالثة رآه علي رضي الله عنه ينام بجانب الكعبة، فدعاه لينام في بيته لثالث مرة، ولكن في تلك المرة سأله علي عن سبب مجيئه لمكة.

مصارحته لعلي عن سبب مجيئه لمكة

رأى أبو ذر من علي بن أبي طالب من الكرم والأخلاق ما جعله يطمئن له، ولهذا صارحه بسبب مجيئه إلى مكة، بعد أن طلب منه أن يعطيه الأمان أولاً، فلما أعطاه علي الأمان:

  • سأله أبو ذر عن النبي الجديد وما هو رأيه في دعوته
  • فقال له علي بنبرة يعلوها قوة الإيمان: إنه لرسول الله
  • ثم قال لأبو ذر عندما أذهب لمقابلته فلتأتي معي، وإن وجدت أمراً لا يعجبك فعد إلى حيث أتيت
  • وبالفعل ذهب أبو ذر مع علي للقاء النبي صلى الله عليه وسلم
  • وبمجرد دخوله على النبي قام بإلقاء تحية الإسلام عليه
  • حتى قبل أن ينطق النبي صلوات الله وسلامه عليه بكلمة واحده، وكأن ما سمعه من علي قد شرح صدره للرسول وصدق به قبل أن يراه
  • ثم أعلن الشهادة بين يدي رسول الله، ولكن بسبب خوف النبي عليه أمره أن يخفي إسلامه
  • ولكن أبو ذر أبى ذلك وأصر على إعلان إسلامه مهما كلفه الأمر

فهو القوي الشجاع الذي لم يكن يهاب شيء قبل أن يدخل الإيمان قلبه، فكيف يكون حاله بعد أن عزز الله شجاعته بالإسلام، ولذلك قال لرسول الله : والله لن أبرح مكة حتى أجهر بإسلامي، فصمت الرسول.

أبو ذر الغفاري
أبو ذر الغفاري

إعلانه الدخول في الإسلام

  • اتجه أبو ذر إلى الكعبة مباشرتاً بعد أن خرج من عند رسول الله
  • ثم وقف أمام الحضور معلناً بصوت جهور:

يا أهل قريش أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، وبمجرد أن انتهى من حديثه:

  • قام الحضور بضربه، قائلين لبعضهم البعض هيا لنقتل هذا المشرك بآلهتنا
  • وكانوا قد أوشكوا على قتله
  • ولم ينقذه من هذا الموت المحقق إلا العباس رضي الله عنه.

عودة أبو ذر إلى قبيلته

عاد أبو ذر مرة أخرى إلى قبيلته بعد أن أمره النبي بذلك، وطلب منه أيضاً أن يحاول هدايتهم  للإسلام:

  • وبمجرد عودته إلى أهله أخبر والدته وأخاه بإسلامه، فمن الله عليهم بالإسلام أيضاً
  • وعمل أبو ذر وأمه وأخاه كفريق واحد في دعوة أهل القبيلة للدخول في الإسلام
  • وبالفعل استطاعوا أقناع العديد من أهل القبيلة باعتناق الإسلام.

حضوره للعديد من الغزوات مع الرسول

  • بعد ذلك حسن إسلام أبو ذر
  • ووهب حياته لنصرة الدين وكان يحرص على حضور جميع الغزوات مع الرسول صلى الله عليه وسلم
  • وكانت أولى الغزوات التي حضرها مع الرسول هي غزوة الخندق
  • ثم تتابعت بعدها العديد من الغزوات
  • ومن أهم الغزوات التي يذكرها التاريخ لأبو ذر الغفاري، والتي تدل على شدة حرصه على حضور الغزوات مع النبي، هي غزوة تبوك
  • فقد كان أبو ذر وقتها لا يملك سوى ناقة واحدة ضعيفة بشدة، ولا يمكنها تحمل مشقة السفر
  • ولكن أبو ذر كان مصر على السفر مهما حدث
  • وكانت النتيجة أن لفظت الناقة أنفاسها بمجرد بلوغها منتصف الطريق
  • فاضطر أبو ذر أن يواصل طريقه مشياً دون ركوبة
  • ولذلك ظن صحابة رسول الله أن أبو ذر لن يأتي معهم إلى الغزوة
  • على العكس من رسول الله، الذي كان على يقين تام من شدة إيمان أبو ذر وحرصه على حضور الغزوة
  • فنفى ما قالوه وبعدها رأوه وهو أت من بعيد يسير على قدميه
  • وعندما أخبروا الرسول بذلك، قال : إنه أبو ذر يمشي وحده ويبعث وحده.

وفاة أبو ذر الغفاري

  • لم يفارق أبو ذر المدينة المنورة طوال حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بسبب حرصه على ملازمته
  • ثم انتقل للعيش بالشام بعد وفاة الرسول
  • ومات بها سنة 32 من الهجرة النبوية الشريفة

رضي الله عن أبو ذر محامي الفقراء الذي كان لا يكف عن حث أهل الشام على إخراج الصدقة، حتى لقبوه بمحامي الفقراء.